ما إن تهل بشائر الصيف حتى تسارع بلداننا الى الترويح عنا ورفع عناء القيظ و الهاجرة فتعقد العزم على إلباس المدن و البوادي لباس "المهرجان " ..
ذكر أهل التفسير بشأن قوله تعالى " ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يُعمر والله بصير بما يعلمون" البقرة .. أن تحديد ألف سنة ذو صلة بعقيدة المجوس الذين كانوا يدعون لأكاسرتهم بعبارة : عش ألف نيروز و ألف مهرجان !!!!
وحكومتنا المصونة حريصة على بلوغ هذا الرقم لذا تتفتق عبقريتها كل سنة عن مهرجانات جديدة تجد لها من المسوغات التراثية و " الثقافية" و القومية ما يبرر صرف الأموال الطائلة في بلدان يعيش أغلب ساكنتها تحت خط فقر يصفه شاعر بليغ بقوله :
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب !!!
لست هنا بصدد التحامل على هذه المنجزات التي تثقل كفتنا في ميزان التحضر و الحداثة ..فنقد السفيه مضيعة للحروف و جريمة بحق اللغة ..لكن اشفق على مفردة " الثقافة" التي ترصع بها الحكومات المصونة لافتات و ملصقات المهرجانات ..
في بلدي المغرب ترتدي سائر البوادي و المدن حلة " المهرجان " القشيبة .. و تبذر الملايير في دعوة الساقطين و الساقطات من زبالة الفن لإحياء "المهرجان الثقافي" ..فإذا قررت على مضض سبر غور الثقافة المشار إليها و المحتفى بها ستفجعك الحقيقة ..ويصدمك الواقع .. فالأمر لا يعدو كونه سهرات ماجنة مسترسلة .. و عبثا بالماضي و بقايا السلف .. وإشاعة للإباحية و إعلانا للحرب على العقيدة و الدين و الأخلاق و القيم ..
ميزانية فلكية لجلب القذارة الفنية من الضفة الأخرى باسم التعايش و التسامح ..و جلبة وضوضاء حتى مطلع الفجر باسم الترويح و الفن الهادف .. وحرص إعلامي على النفخ في هذه الحفلات واعتبارها دليل لحوق بركب العالم المتنور و رفعة شأن كاذبة تتوارى خلفها كل معاني الذلة و الهوان ..
الغريب في الأمر و الملفت للنظر حقا أن علماءنا الاجلاء يقضون عطلة صامتة ..فلا ترتفع عقيرة أحدهم بالتنديد بهذا السفه الجماعي و الحرب المعلنة على الأمة إلا فيما ندر ..
عذرا سيدتي الثقافة فقد تحولت بلداننا من أدناها إلى اقصاها الى "طبل وزمارة " من الخليج الشائك الى المحيط الحالك .. وبتنا نترقب قطع الليل المظلم ..
اللهم رحمتك