نشر الورد والرياحين
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
أمة الحبِّ المشترك والودِّ الصّافي
إنَّ هذه الأُمّة المباركة - أُمّة الإسلام - تقوم في بناءها بعد الإيمان بالله ؛ على عواطف الحبِّ المشترك، والودِّ الصافي، والبعد عن الأحقاد والضَّغائن. (مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى). متفق عليه من حديث النعمان.
إنَّ أُمّة الإسلام موصوفة في كتاب ربّها من بعد سلفها الأخيار من المهاجرين والأنصار، في قوله تعالى: { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءآمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }.
وهذا الأمر العظيم (إصلاح ذات البيْن وسلامة الصدر) جاءت الشريعة المطهرة بالأمر بهما، والحث عليهما ؛ أنْ يكون صدرك على أخيك سليماً، ليس فيه غلّ، ولا حقد ، ولا حسد ... قلب مخْموم كما جاء في بعض الأحاديث.
لقد أثنى الله بسبب سلامة الصدور على أهل المدينة الأنصار، ومجّدهم لاتّصافهم به، في قرآنٍ يُتلى إلى يوم القيامة، يقول سبحانه: { والذين تبوؤا الدَّارَ والإيمانَ من قبلهم يُحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويُؤْثرون على أنْفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوقَ شُحّ نفسه فأولئك هم المفلحون }.
آيات قرآنية في الصلح
- قال الله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النَّاس).
- وقال سبحانه: (والصلح خير).
- وقال: (وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإنْ بغتْ إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء إلى أمر الله فإنْ فاءتْ فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنَّ الله يحبُّ الله المقسطين).
أحاديث الإصلاح:
- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: » ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصَّدقة. قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البيْن؛ وفساد ذات البيْن الحالقة« .
-ويُروى أنه صلى الله عليه وسلّم قال: » هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدِّين« .
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: » إياكم وسوء ذات البيْن؛ فإنها الحالقة« . أخرجه الترمذي. وعن عبادة بن عمير بن عوف قال: قال لي أبو أيوب رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
» يا أبا أيوب، ألا أدلك على صدقة يحبُّها ورسوله؛ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا« . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
أقسام الصلح
1 - صلح المسلم مع الكافر.
2 - الصلح بين الزوجين.
3 - الصلح بين الفئة الباغية والعادل.
4 - الصلح بين المتغاضبين.
5 - الصلح في الجراح كالعفو على مال.
6 - الصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة إما في الأملاك أو في المشتركات كالشوارع.
الله تعالى يُصلح بين المؤمنين يوم القيامة
روى أبو يعلى في المسند من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدتْ ثناياه!! فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأُمي
فقال: رجلان من أُمتي جثيا بين يدي ربِّ العزة تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا ربِّ خذ لي مظلمتي من أخي… قال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته. قال: يا ربِّ لم يبق من حسناتي شيء!
قال - يعني الطالب -: ربِّ فلْيحمل عني من أوزاري!
قال: ففاضتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالبكاء، ثم قال: إنَّ ذلك ليوم عظيم، يحتاج الناس إلى من يحمل عنهم أوزارهم!! فقال الله للطالب: ارفع بصرك وانظر في الجنان، فرفع رأسه. فقال: يا ربِّ! أرى مدائن من فضة، وقصوراً من ذهب مكلَّلة باللؤلؤ؛ لأي نبيٍّ هذا
لأي صدِّيقٍ هذا
لأي شهيدٍ هذا
قال: هذا لمن أعطى ثمنه. قال: يا ربِّ ومن يملك ثمنه
قال: تعفو عن أخيك. قال: يا ربِّ، فإني عفوتُ عنه!!! قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فأدخلا الجنة.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم؛ فإنَّ الله يصلح بين المؤمنين].