اسْتِقْبَال رَمَضَان بِقَلْب سَلِيْم
مَقَال لِلْدُّكْتُوْر: بِاسْم عَامِر
- الْقَلْب الْسَلِيْم: هُو الَّذِي سَلِم مِن كُل شَر، بَدْءِا بِالْشِّرْك بِالْلَّه تَعَالَى مُرْوَرَا بِالشُّبُهَات وَالشَّهَوَات، وَمَن كُل خَصْلَة مَذْمُوْمَة فِي كِتَاب الْلَّه تَعَالَى وَسُنَّة رَسُوْلِه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم كَالْغُل وَالْحِقْد وَالْحَسَد وَالْشُّح وَالْكِبْر وَحُب الْدُّنْيَا، وَالْقَلْب السَّلِيْم كَذَلِك هُو الَّذِي خَلُصَت عُبُوْدِيَّتِه لِلَّه تَعَالَى، فَيُعَرِّف حُقُوْق الْلَّه عَز وَجَل وَيُؤَدِّيَهَا عَلَى أَكْمَل وَجْه.
- الْقَلْب الْسَلِيْم عَلَيْه الْمَدَار يَوْم الْقِيَامَة، قَال تَعَالَى: ( يَوْم لْا يَنْفَع مَال وَلَا بَنُوْن، إِلَّا مَن أَتَى الْلَّه بِقَلْب سَلِيْم ) الْشُّعَرَاء : 88 ، 89.
- صَلَاح هَذَا الْعُضْو يَعْنِي صَلَاح حَال الْعَبْد وَبِفَسَادِه يُفْسِد، قَال صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : « أَلَا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذَا صَلَحَت صَلَح الْجَسَد كُلُّه؛ وَإِذَا فَسَدَت فَسَد الْجَسَد كُلُّه؛ أَلَّا وَهِي الْقَلْب » الْبُخَارِي وَمُسْلِم.
- وَلِأَن مَا فِي الْقَلْب لَا يَطْلُع عَلَيْه أَحَد سِوَى الْلَّه تَعَالَى كَان عَمِل الْقَلْب أَفْضَل مِن عَمَل الْجَوَارِح، لِذَا كَان الْصَّالِحُوْن مِن سَلَف الْأُمَّة يَّعْتَنُوْن بِصَلَاح قُلُوْبِهِم قَبْل كُل شَيْء، يَقُوْل الْحَسَن الْبَصْرِي: " ابْن آَدَم، لَك قَوْل وَعَمِل، وَعَمَلِك أَوْلَى بِك مِن قَوْلِك، وَلَك سَرِيْرَة وَعَلَانِيَة، وَسَرِيْرَتَك أَوْلَى بِك مِن عَلَانِيَتِك " انْظُر: الْمَدَارِج لِابْن الْقَيِّم، و يَقُوْل عَبْد الْلَّه بْن الْمُبَارَك وَاصِفَا حَال الْإِمَام مَالِك: " مَا رَأَيـت أَحَدا ارْتَفَع مِثـل مَالِك، لَيْس لَه كَثِيْر صَلَاة وَلَا صِيَام، إِلَا أَن تَكُوْن لَه سَرِيْرَة " انْظُر: سِيَر أَعْلَام الْنُّبَلَاء.
- وَمَع اقْتِرَاب شَهْر رَمَضَان كَان مَن الْمُنَاسِب تَذْكِيْر الْنَّفْس بِهَذَا الْأَمْر الْعَظِيْم، وَهُو تَهْيِئَة الْقَلْب وَمُجاهَدَتِه لِأَن يَكُوْن سَلِيْمَا، وَلَيْس هَذَا بِالْأَمْر الْهَيِّن الْيَسِيْر، وَلَكِنَّه فِي الْوَقْت ذَاتِه لَيْس بِالْمُسْتَحِيْل، بَل مَن جَاهَد قَلْبِه فِي سَبِيِل الْلَّه وَصَل وَانْتَصِر، يَقُوْل تَعَالَى: ( وَالَّذِين جَاهَدُوْا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِن الْلَّه لَمَع الْمُحْسِنِيْن ) الْعَنْكَبُوْت: 69.
- فَإِذَا اسْتَطَاع الْعَبْد أَن يَصِل بِقَلْبِه إِلَى دَرَجَة الْقَلْب الْسَلِيْم أَو مَا يُقَارِبُه فَإِنَّه بِذَلِك يَظْفُر بِبَرَكَات الْشَّهْر الْكَرِيم، مِنْهَا أَن الْقَلْب السَّلِيْم أَقْرَب مِن غَيْرِه بِالْمَغْفِرَة وَالْرَّحْمَة، لِأَن الْلَّه عَز وَجَل يَطَّلِع عَلَى قُلُوْب الْعِبَاد، فَأَجْدِر تِلْك الْقُلُوْب بِمَغْفِرَة الْلَّه تَعَالَى هِي الْقُلُوُب السَّلِيْمَة، وَمِنْهَا أَن صَاحِب الْقَلْب الْسَلِيْم يَجِد لَذَّة فِي قَلْبِه لَا مَثَيِل لَهَا عِنْد تَأْدِيَتِه الْعِبَادَات وَمُنَاجَاتَه لَرَّب الْأَرْض وَالْسَّمَوَات، بِخِلَاف أَصْحَاب الْقُلُوُب الْأُخْرَى فَإِنَّهُم لَا يَجِدُوْن تِلْك الْلَّذَّة، وَكَذَلِك يَظْهَر الْأَثَر عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآَن الْكَرِيْم، فَكُل الْنَّاس يَقْرَأُوْن الْقُرْآَن فِي هَذَا الْشَّهْر، وَلَكِنَّهُم لَيْسُوْا كُلُّهُم يَنْتَفِعُون مِنْه وَيَنَالُوْن مِن خَيْرَاتِه وَبَرَكَاتُه، فَأَصْحَاب الْقُلُوْب السَّلِيْمَة لَهُم شَأْن مَع الْقُرْآَن الْكَرِيْم بِسَبَب نَقَاء قُلُوْبِهِم وَإِخْلَاصِهِم لِلَّه تَعَالَى، فَهُم يَقْرَأُوْن الْقُرْآَن بِتَدَبُّر وَتَفَهُّم وَتَعَقُّل، فَيَسْتَشْعُرُون بِذَلِك حَلَاوَة الْقُرْآَن الْكَرِيْم، وَمِن تِلْك الْآَثَار أَن الْنَّاس فِي رَمَضَان يَبْحَثُوْن عَن الْقَلْب الْرَّحِيْم، وَعَن الْلِّسَان الْعَفِيْف، وَعَن الْيَد الْبَّاذِلَة، وَعَن الْوَجْه الْطَّلِيق، وَلَا تُوْجَد هَذِه الْصِّفَات مُجْتَمِعَة إِلَا عِنْد أَصْحَاب الْقُلُوْب السَّلِيْمَة، وَمَن ذِلَّك أَيْضا أَن شَهْر رَمَضَان شَهْر الْعِتْق مِن الْنَّار، وَأَوْلَى الْنَّاس بِالْعِتْق وَأَقْرَبِهِم هُم أَصْحَاب الْقُلُوُب السَّلِيْمَة، فَاللَّه عَز وَجَل أَرْحَم مِن أَن يُدِخِل الْنَّار عَبْدِا سُلَيْم الْقَلْب نِقْي الْسَّرِيْرَة.
وَغَيَّر ذَلِك مِن الْخَيْرَات وَالْبَرَكَات الَّتِي يَنَالُهَا الْقَلْب الْسَلِيْم فِي هَذَا الْشَّهْر الْكَرِيم، فَهَذِه دَعْوَة لِكَي نَسَتْقُبِل رَمَضَان وَالْقُلُوْب سَلِيْمَة نَقِيَة، لَا شِرْك فِيْهَا وَلَا حِقْد وَلَا حَسَد وَلَا عَدَاوَة وَلَا خُصُوْمَة وَلَا أَيَّة آَفَّة مِن آَفَات الْقُلُوْب وَمُفْسِدَاتِهَا، فَمَن وَجَد فِي قَلْبِه شَيْئا مِن ذَلِك فَعَلَيْه بِالْمُجَاهَدَة، وَأُجْزِم أَن مِن اسْتَقْبَل هَذَا الْشَّهْر الْكَرِيم بِمِثْل هَذَا الْقَلْب السَّلِيْم أَنَّه سَيَجِد شُعُورَا وَأَثَرَا لَم يَجِدْه فِي حَيَاتِه قَبْل ذَلِك قَط.
أَسْأَل الْلَّه الْعَلِي الْعَظِيْم أَن يَرْزُقَنَا سَلَامَة الْقُلُوْب، وَأَن يُوَفِّقَنَا إِلَى طَاعَة عَلَام الْغُيُوْب، وَصَلَّى الْلَّه عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آَلِه وَصَحْبِه وَسَلَّم.